هل من الأفضل للزوجين أن يحتفظا بعلاقتهما المضطربة تجنبا لمشاكل الطلاق وآثاره عليهما وعلى أبنائهما؟ أم الإنفصال هو الأفضل للخلاص من الجو الملئ بالمشاعر السلبية؟
قد تستغرق الإجابة على هذا السؤال سنوات يعيش فيها الزوجان أو أحدهما معاناة التفكير في مصير الأسرة ومستقبل الأطفال، وربما تجرى محاولات من الأهل والأصدقاء لبعث الحياة من جديد في تلك المشاعر التي لم يعد لها وجود وفي تلك العلاقة التي تصدعت.
وفي النهاية يكتشف الجميع أن منابع المودة والرحمة قد جفت بين الطرفين وأن إستعادة السكن بينهما بات غير ممكن، وهنا يتم الإنفصال رسميا بالطلاق -أبغض الحلال عند الله- ولكنه في هذه الظروف لا مفر منه لأن إستمرار العلاقة الزوجية بصورتها التي وصلت إليها أصبح مستحيلا.
د. محمد المهدى أستاذ ورئيس قسم الطب النفسي بكلية طب دمياط جامعة الأزهر يقول انه حين يحدث الطلاق يشعر كلا الطرفين بالفشل في حياته وأيضا في القدرة على حماية الأبناء وتوفير الجو المناسب لهم، وكذلك فشلهما في أن يكونا زوجين سعيدين وفي أن يكونا أبوين صالحين، ولذلك يمر كلا الزوجان بمراحل نفسية عديدة أولها مرحلة الصدمة، وفيها تتبلد المشاعر ويكون الشخص في حالة ذهول، ثم مرحلة الإنكار، حيث يشعر أنه في حلم وكأن ما حدث لم يحدث في الحقيقة، ثم مرحلة الغضب من الطرف الآخر الذى تسبب في الفشل، وغضب من الأهل الذين لم يساندوه بالقدر الكافي، ومن الدنيا كلها لأنها وضعته في هذا المأزق، وبعدها تأتى مرحلة الاكتئاب، وتحدث حين تتحقق الوحدة والعزلة ويسود الصمت الحياة الجديدة ويتأكد الحرمان من أشياء كثيرة كان يحققها الزواج أو كان يجب أن يحققها، وأخيرا مرحلة التعافي والتي فيها يلتئم الجرح ويواصل كل طرف حياته بشكل طبيعي أو شبه طبيعي.
أما الأطفال فيشعرون أنهم قد فقدوا الأمن والإستقرار وأن عليهم أن يواجهوا الحياة بالأب فقط أو بالأم فقط، وأن وجودهما معا أصبح مستحيلا أو متعذرا، وأن عليهم أن ينتقلوا إلى مسكن آخر أو إلى مدرسة أخرى، وينظر الأطفال إلى أقرانهم الذين يعيشون مع آبائهم وأمهاتهم نظرة ملؤها الحسرة والأسى، ويعيشون حالة من إضطراب التوازن العاطفي، لأن الطفل لكى يكون سويا يحتاج لوجود الأب والأم في حياته، كل منهما يؤدي وظيفته في التعلم، فهو يحتاجهما معا في مواقف كثيرة للشعور بالترابط والتواصل وفهم كيفية تعامل البشر في الإتفاق والإختلاف وكيفية حل الصراعات بينهما.
إذن فمعا هذه تعطى وظيفة نوعية للوالدين لا تتم إلا بهما معا، لذلك فالأطفال الذين يعيشون هذه التجربة المريرة تكون إحتمالات فشلهم في حياتهم الزوجية أعلى من غيرهم لأن توحدهم مع آبائهم وأمهاتهم لم ينجح وإدراكهم للطرفين كان مشوها، وإدراكهم للأسرة وما تعنيه من سكن ومودة ورحمة وحب وتآلف لم يكتمل.
أما إذا كان الأبوين على درجة عالية من النضج، كما يشير د. المهدى فإنهما يدركان إحتياجات الأطفال ويحاولان بعد الطلاق الإبقاء على مساحة من التفاهم والتواصل تسمح بإبقاء حالة الإستقرار والأمان المادي والمعنوي لهم، وهما يوصلان رسالة لهم بأنه ليس بالضرورة أن يكونا قد إنفصلا لأن بابا سيئ أو ماما سيئة، ولكن هناك إختلافات في الطباع جعلت من الصعب إستمرار العلاقة الزوجية الصحية بينهما ولذلك قررا أن ينفصلا وإنتفت بينهما صفة الزوجية ولم تنتف عنهما صفة الأبوة، فهما يمارسان أبوتهما لأطفالهما بشكل ناضج ومسئول.
وقد أثبتت دراسات عديدة أن الطفل يحتاج لأمه بشكل خاص في السنتين الأوليين من عمره وألا يشاركه فيها أحد، وفيما بعد هذه السن يحتاج أن يكون له أب وأم مميزين ينتمى إليهما ويحبهما ويفخر بهما ويأوي إليهما حين يتعرض لضغوط أو صعوبات في حياته.
وفي الطلاق يتبدل الحال بحيث يصبح الأب والأم هما مصدر المعاناة والضغوط والكروب التي تواجه الطفل، وربما يدفعانه للخروج إلى الشارع بحثا عن لحظة هدوء أو شعور بأمن أو حب إفتقده داخل البيت.
ونظرا لأهمية الحياة الزوجية والأسرة للزوجين والأطفال نجد أن الآيات القرآنية إهتمت بهذه الأمور إهتماما خاصا وفصلت فيها ربما أكثر مما فصلت في موضوعات أخرى حتى لا يطغى طرف على آخر، ولا يخونه ولا يستغل ضعفه أو إحتياجه، وقبل كل هذا لابد وأن يراعى الأبوين مصالح الأطفال حتى لا يتحولوا إلى ضحايا للخلافات والصراعات بين الزوجين المتشاحنين، فقد تتكدر نفوس الزوجين في فترة ثم تعود إلى الصفاء مرة أخرى، فلا يجب أن يقف أحد في طريقهما إن أرادا العودة مرة أخرى.
الكاتب: منى ثابت.
المصدر: موقع المستشار.